تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
الأوبئة
الأوبئة

بين الماضي والحاضر.. كيف تنتهي الأوبئة عادة؟

2020-10-22

في مقال رأي نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، بعنوان "كيف تنتهي الأوبئة؟"، ناقش "مارك هونيغزباوم"، محاضر في جامعة سيتي في لندن، ومؤلف كتاب "القرن الوبائي: مائة عام من الذعر والهستيريا والغطرسة"، تاريخ الأوبئة التي هزت العالم وتداعياتها السياسية والاقتصادية والثقافية.

في 7 سبتمبر 1854، في وسط وباء الكوليرا، طلب الطبيب "جون سنو" من مجلس أوصياء أبرشية سانت جيمس الحصول على إذن لإزالة المقبض من مضخة مياه عامة في شارع برود في سوهو في لندن، حيث لاحظ سنو أن 61 من ضحايا الكوليرا سحبوا المياه مؤخرا من المضخة واستنتج أن المياه الملوثة هي مصدر الوباء.
وبالفعل تمت الموافقة على طلبه، وعلى الرغم من أن قبول فكرة أن الكوليرا أساسها جرثومي استغرق 30 عاماً أخرى، إلا أن عمله أنهى الوباء.

وقال مارك إنه بينما يتكيف العالم مع جولة أخرى من القيود المرتبطة بكورونا، نأمل جميعا أن يكون رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ووزير الصحة البريطاني مات هانكوك قد خططا لنهاية مماثلة لوباء كورونا، ولكن لسوء الحظ، يشير التاريخ إلى أن الأوبئة نادراً ما يكون لها نهايات سريعة وبسيطة مثل وباء الكوليرا في عام 1854.

وعلى النقيض تماما، لاحظ مؤرخ الطب تشارلز روزنبرغ، أن معظم الأوبئة تؤدي إلى تدابير الإغلاق، حيث مر على رصد أول حالات الايدز 40 عاما، ومع ذلك لا يزال المرض يصيب 1.7 مليون شخص سنويا، وبدون وجود اللقاح، لا تتوقع منظمة الصحة العالمية أن يتوقف انتشاره قبل عام 2030.

ومع ذلك، في حين أن فيروس نقص المناعة البشرية لا يزال يشكل تهديدا بيولوجيا، إلا أنه لم يؤدي إلى ذعر مشابه للمخاوف التي انتشرت في أوائل ثمانينات القرن العشرين، عندما أطلقت حكومة مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، حملتها لمكافحة الايدز "لا تموت من الجهل"، والتي صحبتها صور مخيفة لشواهد القبور المتساقطة.

فمن جانب القلق النفسي، يجاد مارك بأن وباء الإيدز قد انتهى مع تطوير العقاقير المضادة للفيروسات الرجعية واكتشاف أن المرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية يمكن أن يعيشوا مع الفيروس حتى سن الشيخوخة.

وكان إعلان مجموعة بارينغتون العظيمة، الذي يدعو إلى الانتشار المراقب للفيروس التاجي بين الشباب وحماية كبار السن، يستفيد من رغبة مماثلة في التخلص من الخوف من كوفيد-19 وختام قصته بشكل مشابه للإيدز.

وأكد الإعلان الذي وقعه علماء من جامعة هارفارد وغيرها من المؤسسات أن الأوبئة ظواهر اجتماعية بقدر ما هي ظواهر البيولوجية، وأنه إذا كنا على استعداد لقبول مستويات أعلى من العدوى والوفيات فسنصل إلى مناعة القطيع أسرع ونعود إلى الحياة الطبيعية في وقت أقرب.

ومع ذلك جادل علماء آخرين، في مجلة "لانسيت"، بأن استراتيجية بارينغتون تستند إلى "خطأ خطير"، وهي أنه لا يوجد دليل على استمرار "مناعة القطيع" ضد الفيروس التاجي بعد العدوى الطبيعية، وبدلا من إنهاء الوباء، يمكن أن يؤدي انتقال العدوى دون ضابط بين الشباب إلى أوبئة متكررة، كما كان الحال بالنسبة للعديد من الأمراض المعدية قبل ظهور اللقاحات، ولذلك وصفوا الإعلان بـ "مذكرة جون سنو"، حيث أنهى اجراء سنو الوباء في سوهو في عام 1854، ولكن الكوليرا عادت في عام 1866 و1892.

ولم ينته الوباء حتى عام 1893، عندما بدأت أولى تجارب لقاح الكوليرا الجماعي في الهند، وبدأت معها تصورات النهاية العلمية للوباء، ووصلت هذه الجهود إلى ذروتها في عام 1980 مع القضاء على مرض الجدري، وهو المرض الأول والوحيد الذي لا يزال مختفينا على هذا الكوكب.

ومع ذلك، بدأت هذه الجهود قبل 200 عاما مع اكتشاف الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر في عام 1796 أنه يمكن تحفيز مناعة ضد مرض الجدري بلقاح مصنوع من فيروس جدري البقر.

ومع إجراء البحوث في أكثر من 170 لقاحاً لكوفيد 19، يأمل العالم ألا يتعين عليه الانتظار كل هذا الوقت، إلا أن البروفيسور أندرو بولارد، رئيس تجربة اللقاح في جامعة أكسفورد، يحذر من أنه من الضروري ألا نتوقع توافر حقنة لقاح في المستقبل القريب، وفي ندوة على الإنترنت الأسبوع الماضي، قال بولارد إن أقرب لقاحًا سيكون متاحًا في صيف عام 2021، وللعاملين في مجال الرعاية الصحية فقط، مما يعني أن عامة الناس سيحتاجون الأقنعة الطبية حتى يوليو.

وأشار مارك إلى أن الطريقة الأخرى التي يمكن بها القضاء على الوباء هي نظام اختبار وتعقب عالمي فعال، فبمجرد قمع معدل انتشار الفيروس إلى أقل من 1 لفترة كافية، سينتهي الوباء وتحل مشكلة التباعد الاجتماعي.

وعلى الرغم من أنه قد يكون هناك حاجة لبعض التدابير المحلية من وقت لآخر، إلا أنه لن تكون هناك حاجة إلى فرض قيود شاملة من أجل منع انهيار أنظمة الرعاية الصحية.

‘Water! Water! Everywhere; and not a Drop to Drink’: Another Punch cartoon, this one on the London outbreak of 1849.
وهذا يعني أن عدوى كوفيد-19 ستصبح عدوى متوطنة، مثل الإنفلونزا أو نزلات البرد، وتتلاشى في الخلفية، ويبدو أن هذا ما حدث بعد جائحة الأنفلونزا الاسبانية في 1918 و1957 و1968، وفي كل مرة، أصيب ما يصل إلى ثلث سكان العالم، ولكن على الرغم من أن عدد الوفيات كان مرتفعا (50 مليون في جائحة 1918-1919، وحوالي مليون في كل من عامي 1957 و1968)، إلا أنها انتهت في غضون عامين، إما بسبب الوصول إلى مناعة القطيع أو لأن الفيروسات فقدت قوتها.

ومع ذلك يجادل مارك بأن السيناريو الكابوسي هو عدم تلاشي فيروس كورونا ويستمر في العودة مرارا وتكرارا، وهو ما حدث مع الطاعون أو الموت الأسود في القرن الرابع عشر، والذي تسبب في أوبئة أوروبية متكررة بين عامي 1347 و1353.

كما حدث شيء مماثل في 1889-1890 عندما انتشرت "الأنفلونزا الروسية" من آسيا الوسطى إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، على الرغم من أن تقرير الحكومة الإنجليزية أعلن عام 1892 كموعد رسمي لإنهاء الوباء، إلا أن الحقيقة هي أن الانفلونزا الروسية لم تختفي، وكانت مسؤولة عن موجات المرض المتكررة طوال السنوات الأخيرة من عهد الملكة فيكتوريا.

وحتى عندما تصل الأوبئة في نهاية المطاف إلى نهاية طبية، يشير التاريخ إلى أنها قد تكون لها آثار ثقافية واقتصادية وسياسية دائمة.
فالموت الأسود، على سبيل المثال، كان مسؤولا عن تأجيج انهيار النظام الإقطاعي وتحفيز هاجس فني بصور العالم السفلي، كما يُقال إن طاعون أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد قد حطم إيمان الأثينيين بالديمقراطية ومهد الطريق لتنصيب حكم الأوليغارشية التي تُعرف باسم الطغاة الثلاثين.

وعلى الرغم من طرد الإسبارطيين في وقت لاحق، لم تستعد أثينا ثقتها في الديمقراطية ابدا، ولا يزال من غير المعروف ما إذا كان "كوفيد-19" سيؤدي إلى حسابات سياسية مماثلة لحكومة بوريس جونسون

ترجمة: أبانوب سامي

صحة رشاقة أوبئة فوائد

احدث المقالات